التجديـــد
لا التخريب أو التجريف
"ضجة
عارمة صاحبت الحكم القضائي بحبس إسلام البحيري فيما روج له من تطاول وإهانات ضد
التراث الديني وكان للإمام البخاري نصيب الأسد من هذه التجاوزات التي لا توحي بأن
صاحبها باحث أو طالب علم ينتهج أسلوبا علميا في بحثه أو تناوله لموضوع ديني ؛ إلي
جانب ما صاحب هذا من لغط وبلبلة لدي البسطاء فكرا وثقافة وعلما من أبناء الدين الإسلامي
؛ لكن أن يخرج من خلف هذه الضجة من يطالب بعفو رئاسي عن إسلام البحيري تحت دعوي أن
الرئيس السيسي هو من طالب بتجديد الخطاب الديني ؛ أو أن تعلو أصوات منفرة منكرة
تصب جام غضبها علي الأزهر وتتهمه بأنه داعشي المذهب أو أنه معقل الإرهاب فهذا باطل
وينم عن سوء نية وقصور فكري نحو مفهوم تجديد الخطاب الديني.....".
في معرض حديثنا عن تجديد
الخطاب الديني أوكد إننا لا نوجه إتهاما لأحد ولانلتزم إتجاها ضد أخر ؛ ولكن علينا
أن نتناول الموضوع وكما عهدنا بأسلوب موضوعي وبإحترافية تساهم في الإقتراب من
الهدف المنشود...
إن تجديد الخطاب الديني
هو أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للدولة ؛ فتحقيق هذا الهدف سيكون أحد أهم مخرجاته
أجيال قادمة تعي أمور دينها في غير مغالاة أو تطرف والتطرف هنا يعني أما التشدد
والعنف الطائفي أو الإنحراف اللأخلاقي نحو كل الموبقات بمعني السقوط القيمي
للمجتمع وإنهيار أخلاقياته لتسود معايير الغاب ويصير البقاء للأقوي منهج حياة ؛ وهنا
تأتي الإشكالية الأولي أن المتربصين بالإسلام والعلمانيين والمتأمرين علي الأمة الإسلامية
يحاولون إيهامنا أن تجديد الخطاب الديني معناه انه لا سلطة للدين بعد اليوم علي
حياتنا ؛ وذهبوا إلي إتجاه إحادي وهو أن التراث الديني لكبار الأئمة والعلماء هو
السبب المباشر في نشأة الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تعيث في الأرض فسادا ؛
ولم يلتفتوا إلي الهدف الأخر الأهم وهو إخراج أجيال واعية يكون الوازع الديني
والوطني فيها منهج حياة ودستور عمل ؛ بل إن البعض من هؤلاء الصخب ذهب إلي أن تجديد
الخطاب الديني هو فرصة للنيل من دول شقيقة بغية إحداث الفرقة والشتات لأوصال الأمة
العربية دون أن يدرك أن المركب تحملنا سويا وان أي جنوح أو تمزق في مواجهة المارقة
هو بلاء يصيبنا جميعا ؛ وأيضا وجد الإنتهازيون في المناداة بتجديد الخطاب الديني
أداة لتشويه الأزهر وعلمائه ؛ وبدلا مما كانت تلجأ إليه جماعة الإخوان من وضع السم
لطلاب الأزهر في وجباتهم الغذائية لتقويض دور الأزهر الديني والوطني والذي لا
يتناسب مع أهداف الجماعة بات هؤلاء الأنتهازيون وغالبيتهم من الإعلاميين الذين
يمارسون دورا بارزا في هدم الدولة لا مأرب لهم سوي لعن الأزهر وشيوخه الأجلاء ؛
والنيل من التراث الديني وكبار الأئمة والعلماء ؛ فالأخوان المسلمون كانوا يبغون
نشر التطرف والعنف ؛ والمتأمرون والعلمانيون يحاولون توجيهنا نحو الإنهيار القيمي
والأخلاقي للمجتمع في دولة يبغونها بلا دين ؛ وهؤلاء الإعلاميون ومن متابعة
برامجهم ومقالاتهم وإحقاقا للحق هم يمارسون نفس الدور المشبوه تجاه الكنيسة
المصرية ليكون المنتج النهائي لدينا صراعا إسلاميا إسلاميا وصراعا مسيحيا مسيحيا ؛
وللقارئ أن يتخيل حال الشارع المصري مع هذا التعاطي ..!!
وقد يتساءل الكثيرون هل
نحن بحاجة إلي تجديد الخطاب الديني وسط هذه الفوضي الفكرية والمؤامرات التي تحاك
لبلادنا والأمة العربية ؛ والحق أقول أننا لم نكن بحاجة إلي تجديد الخطاب الديني
في وقت ما اكثر من إحتياجنا له الآن ؛ فلقد مرت بلادنا بسنوات عصيبة لم تعبأ فيه
القيادة السياسية بحقيقة الدور الذي تقوم به الجماعات المتطرفة وصولا إلي الحكم
مستخدمة الدين في تخدير الشعوب وتطويع الشباب الغض ؛ ولم تفطن القيادة السياسية
إلي ضرورة تمكين الأزهر من أدوات تساعده علي اداء الدور المنوط به في التنوير ودحض
دعاوي الفتن ؛ فعمت الفوضي في مجال الفتوي ؛ وساد العنف والتكفير ؛ وخرج الملحدون
وهم شرذمة قليلة مستترة ليصيروا وباءا مستفحلا فاجرا ؛ وسكن بيننا الإنحراف اللأخلاقي
دون رداع ودون مقوم فبات منهجا للكثيرين في حياتنا اليومية ؛ نعم الدولة في سنوات
سابقة لعبت دورا متناسقا دون وعي مع المؤامرات الخارجية في كل ما سبق فبات المجتمع
رخوا مفتتا بين التشدد والإنحلال والمستنكر منه علي إستحياء .
نعم أيها السادة الدولة تخلت عن دورها في دعم
مؤسسة الأزهر الشريف وأقتصر دورها في حضور ممثليها إحتفالات إستطلاع رؤية الهلال وإحتفال
ليلة القدر ؛ ولم يكن لدينا منهجا علميا معلنا للدولة في المجال الديني ؛ ففي غفلة
وبإرادة القيادة السياسية إعتلي المنابر وأحتل المساجد الأخوان المسلمون في إعلان
ضمني بوجود مؤسسة موازية للأزهر الشريف ضمن لعبة توازونات سياسية سخيفة ؛ وانتشرت زوايا
الصلاة الصغيرة في كل شارع وحارة وباتت بؤرا للتطرف وملاذا للأفاقين والمنافقين
والجاهلين المدعيين ؛ وفقدت الدولة ممثلة في الأزهر الشريف الرقابة علي المطبوعات
الدينية فخرجت الكتب التكفيرية التي تحض علي العنف وتحرض ضد مفهوم الدولة بعدما
أقتطعت من التراث مالا يتفق مع السياق وخلقت منه فكرا منحرفا مضللا ؛ ويزداد الجرح
عمقا فتناصب العداء لأصحاب الديانات السماوية الأخري وتحرض علي تمزيق أوصال الدولة
فتستحل وتهتك العرض وتنزع الحياة ؛ وفي ذات الوقت خرجت الكتب الإباحية تتطاول علي
الدين وتسفه وتحقر من شأن العلماء فتعلي قيمة كل ما هو حرام وتبرر كل ما هو شائن
بدعوي حرية الفكر والإبداع وتستند إلي دعاوي الغرب في حقوق الإنسان والحريات .
نعم أيها السادة نحن في
أشد الحاجة إلي تجديد الخطاب الديني ؛ لأن القيادة السياسية في فترة قريبة إرتضت
أن تهادن الإخوان المسلمين تلك الجماعة الإرهابية ومن هم علي شاكلتها وتعقد معهم
الصفقات السياسية ؛ وتغض الطرف عن توغلهم إقتصاديا في كيان الدولة حتي باتوا وحشا
كاسرا كاد يفتك بالوطن ؛ بل إن الدولة قدمت لهم علي طبق من ذهب إعلاما فضائيا
دينيا توغل من خلاله هؤلاء الإرهابيون إلي كل بيت مصري وخدعوا الكثيرين مدعيين
الورع والزهد والتقوي وهم يفتتون عضد الدولة ؛ وبالطبع خرج علي صعيد مناظر قنوات
مسيحية لرجال دين مشلوحين من الكنيسة وكل يعمل علي كراهية الأخر ويفند مزاعمه ...
وهكذا صرنا في إقتتال كلامي تسرب من خلاله بعض الحمقي من الجانبين إلي الشارع بغية
إحداث فتنة طائفية لولا تعقل مؤسسة الأزهر الشريف والكنيسة المصرية اللذان هما
دائما ملاذ هذا الشعب في أحلك اللحظات.
نعم أيها السادة لا مناص
من تجديد الخطاب الديني من أجل حماية القومية العربية التي هي في مهب الريح ؛ نعم
فنحن في حرب وجود نكون أو لا نكون ؛ فالمؤامرات الخارجية والهيمنة الإستعمارية
تستهدف النيل من حضاراتنا وقوميتنا وثرواتنا وأرض أنبياء الله ومهبط الرسالات
السماوية ؛ وكل ما يدور حولنا من صراعات هي فعل خارجي لتوريطنا في حرب طائفية
وعقائدية فهذه الصراعات بفعل فاعل دنئ أستغل جهل شبابنا
وتطلعاتهم المشروعة وغير المشروعة لطمس هويتنا العربية ؛ بل وساعدناه نحن عندما
أغفلنا لسنوات طويلة ماضية مشروع تجديد الخطاب الديني ؛ وهنا وظف الغرب البعض منا
في الإجتزاء والإفتراء علي الدين بدعوي حرية الفكر والبحث ؛ ليرد إلينا بضاعتنا في
شكل صراع طائفي وعقائدي يودي بماضي وحاضر ومستقبل الوطن العربي .
بقي أن نؤكد أن تجديد الخطاب
الديني جاء من الرئيس عبد الفتاح السيسي تكليفا إلي مؤسسة الأزهر الشريف دون غيرها
؛ فهم الوحيدون المنوطون بهذا الدور لأن معالجة الإجتزاء ورد النصوص إلي سياقها
الصحيح ؛ وتحديد الإحتياجات العلمية لطلبة الأزهر خاصة وللمجتمع عامة لا يدركه إلا
هيئة كبار العلماء لما لهم من علم وأمانة ؛ وعليهم أن يكونوا قدر هذه المسئولية ؛ وهذا
يعني إن تجديد الخطاب الديني ليس تكليفا لإعلاميين وعلمانيين ومن يطلقون علي
أنفسهم النخبة و بعضهم لا يملك قراءة آية واحدة صحيحة في القرآن الكريم ؛ وليس
تكليفا لباحثين من أنصاف المتعلمين أو المتنطعين في مقاهي حقوق الفكر والإبداع
.... تجديد الخطاب الديني عملية جراحية دقيقة لا يملك أدواتها إلا هيئة كبار
العلماء ؛ وثقتنا في مؤسسة الأزهر الشريف دائما في موضعها فهو لم يخذل الأمة الإسلامية يوما .. ونقول لعلمائه الأجلاء : أختلفوا
كما شئتم داخل مؤسستكم العريقة وبين جدرانها ؛ ثم أخرجوا علينا في النهاية متألفين
لتهدوننا خطابا دينيا يليق بعلمكم وقدراتكم ويكون لكم شفيعا أمام العلي القدير...
وعلي الدولة دعم الأزهر وتمكينه من أدواته في
الرقابة علي كل مطبوع ديني ؛ وأن تتدخل بكل قوة للحد من ظاهرة الزوايا التي يقوم
عليها الجهلة والمتطرفين والإرهابيين الفجرة والأفاقين ؛ ولزاما علي الدولة حماية للمجتمع أن تقوم بدورها
في الرقابة علي الفضائيات معول الهدم وأبواق نشر الفكر الطائفي والمذهبي ؛ أما آن
للمرتزقة من الإعلاميين أن تقتلع حناجرهم الموبؤة وأفكارهم المسمومة لنحفظ أمن هذا
الوطن ووحدته ؟
إن تجديد الخطاب الديني
دعوة للتجديد لا التخريب أوالتجريف ....
#حافظوا_علي_مصر
#حافظوا_علي_مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق